شعر بغصة فى حلقه وانسابت الدموع على خديه بينما هو واقف امام ذلك التل الرملى الصغير, والذى يعتنق ذلك الجسد الصافى بداخله..ذلك الجسد الذى لطالما شعت فيه روح مليئة بالحياة..ونبض فيه قلب لم يعرف الحزن قط..
وجه لم تفارقه البسمة ..وزوج من العيون لم تخمد شعلة الحياة فيهما ابدا...
قلب..لم يتوقف عن الضحك هنيهة, حتى فى اخر لحظات نبضه..
جسد صغير...صغير..
اغتالته ارواح بلا روح...وقلوب بلا قلب...
جسد انسابت منه انهار من الاحمر القانى..لتمتزج بصفاء الانهار المحيطة, صابغة اياها بألم الفقدان..
فقدان البراءة..وتوقف النبض فى العروق...
غياب شمس فى الافق البعيد...وظلام ينسدل ببطء ..فيُنسى المعانى..
معانى الاشراق...معانى الامل...
ويحقن معانى الغدر والقتل....
والالم والخسارة....
يحقنها ببطء لما يزيد على سبعين سنة....
وقف امام التل...وبيده زهرة حمراء...حمراء بلون ذلك الدم الذى اهدره رصاص الجندى الغادر...
فقد زوجته وابنتيه منذ سنوات مضت عندما قامت قذيفة عشوائية ببعثرة حياتهم فى برك الدم كأشلاء تلك الزوجة وابنتيه ...أشلاء لم يستطع ان يجمعها حتى تلك اللحظة..
ولم يبق له الا ذلك الرضيع ذو الاشهر الست..والذى عزم على تربيته والمحافظة عليه حتى تتفتح اوراقه لتنشر عبيرها الصافى بين طيات الماضى المظلم, خالقة مستقبل يكتنفه النور والامل..
ولم يبق له الا ذلك الرضيع ذو الاشهر الست..والذى عزم على تربيته والمحافظة عليه حتى تتفتح اوراقه لتنشر عبيرها الصافى بين طيات الماضى المظلم, خالقة مستقبل يكتنفه النور والامل..
ولكن ها هو الان...لا يكتنفه الا التراب ....
ولا يعبقه الا الموت...
ولا يعبقه الا الموت...
ها هى تلك الوردة ترقد فى قبر مظلم...وقد سقطت اوراقها ولم يبق منها الا ساق قد تحول لونها الى الاسود..
لقد ماتت حديقته المزهرة...تحولت الى شتات تتناثرها رياح الماضى...والحاضر!!
بينما هو واقف..سقطت منه الزهرة على ذلك القبر صغير الشكل, عميق الجوهر...
سقطت الزهرة لتتناثر وريقاتها على حبات التراب الاسود المتفحم من جراء التفجيرات المستمرة..والحيوات المتهدمة..
فى تلك اللحظة, امتدت يده لتلتقط ما تبقى من الزهرة, فلا تستطيع..!
تردد صوت مدو فى الفراغ المحيط به, وشعر فى لحظتها بألم فى قلبه...
وضع يده على قلبه ثم نظر اليها ليجد يده التى امسكت بتلك الزهرة , قد تحول لونها الى ذلك اللون المؤلم..
لون الزهرة الحمراء التى تبعثرت فى السواد..
سقط على وجهه فى ارتعاش حاد, ووجهه الابيض يتمرغ فى التراب حتى تحول الى الرمادى..
سمع من خلفه ضحكات, واصوات لم يستطع ان يميز معناها, ولكنه علم انه صوت الموت, والغدر..صوت جندى يتحدث العبرية..
كان يعلم انها لحظاته الاخيرة بعد ان اخترقت رصاصة الغدر قلبه... شقيقة تلك الرصاصة التى اخترقت قلب ابنه ذى السنوات الثلاث..
لم يشعر بألم...فقد شعر بهذا الالم منذ أن فقد عائلته...ولا ألم يماثل ألم فقدان الاحبة..
لقد مات قلبه بموت احبته..فلم تعد تؤلمه مسببات الالم الفانية تلك..
توقف عن الارتعاش..
وتوقف قلبه عن النبض..
انطفأت شعلة الحياة من عينيه...
وخمدت روحه فى سبات عميق...حيث الاحلام...
حيث اللقاء....لقاء الاحبة..
حيث تلملم الشمل مجددا...
ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة..بينما اراحت يده قبضتها عن تلك الورقة حمراء اللون..الممتزجة بدمه الطاهر...
ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة..بينما احتضن جسده قبر ولده...ليرقدا سويا فى التحام لا يفترقان..
فى لقاء...لا منتهى..
No comments:
Post a Comment